سورة الفرقان - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله تعالى: {ألم تَرَ إِلى ربِّك} أي: إِلى فِعْل ربِّك. وقال الزجاج: معناه ألم تعلم، فهو من رؤية القلب، ويجوز أن يكون من رؤية العين؛ فالمعنى: ألم تر إِلى الظِّلِّ كيف مَدَّه ربُّك؟ والظِّلُّ من وقت طلوع الفجر إِلى وقت طلوع الشمس {ولو شاء لجعله ساكناً} أي: ثابتاً دائماً لا يزول {ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً} فالشمس دليل على الظل، فلولا الشمس ما عُرف أنه شيء، كما أنه لولا النُّور ما عُرفت الظُّلمة، فكل الأشياء تُعرف بأضدادها.
قوله تعالى: {ثم قَبَضْناه إِلينا} يعني: الظل {قَبْضاً يَسِيراً} وفيه قولان:
أحدهما: سريعاً، قاله ابن عباس.
والثاني: خفيّاً، قاله مجاهد.
وفي وقت قبض الظل قولان:
أحدهما: عند طلوع الشمس يُقبض الظِّل وتُجمع أجزاؤه المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخَه شيئاً فشيئاً.
والثاني: عند غروب الشمس تُقبض أجزاء الظِّل بعد غروبها، ويخلّف كل جزء منه جزءاً من الظلام.
قوله تعالى: {وهو الذي جعل لكم الليل لِبَاساً} أي: ساتراً بظلمته، لأن ظلمته تغشى الأشخاص وتَشتمل عليها اشتمال اللباس على لابسه {والنَّومَ سُبَاتاً} قال ابن قتيبة: أي: راحة، ومنه يوم السبت، لأن الخلق اجتمع يوم الجمعة، وكان الفراغ منه في يوم السبت، فقيل لبني إِسرائيل: استريحوا في هذا اليوم ولا تعملوا فيه شيئاً، فسمِي يوم السبت، أي: يوم الراحة، وأصل السبت: التَّمدُّد، ومن تمدَّد استراح. وقال ابن الأنباري: أصل السبت: القَطْع؛ فالمعنى: وجعلنا النوم قَطْعاً لأعمالكم.
قوله تعالى: {وجَعَلَ النَّهارَ نُشوراً} فيه قولان:
أحدهما: تنتشرون فيه لابتغاء الرزق، قاله ابن عباس.
والثاني: تُنشَر الرُّوح باليقظة كما تنشر بالبعث، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {وهو الذي أرسل الرِّياح} قد شرحناه في [الأعراف: 57] إِلى قوله: {وأنزلْنا من السماء ماءً طَهُوراً} يعني: المطر. قال الأزهري: الطَّهُور في اللغة: الطاهر المُطهِّر. والطَّهور ما يُتَطَهَّر به، كالوَضوء الذي يُتَوضَّأُ به، والفَطُور الذي يُفْطَر عليه.
قوله تعالى: {لِنُحْيِيَ به بلدةً مَيْتاً} وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو جعفر: {مَيِّتاً} بالتشديد. قال الزجاج: لفظ البلدة مؤنَّث، وإِنما قيل: {ميتاً} لأن معنى البلدة والبلد سواء. وقال غيره: إِنما قال: {ميتاً}، لأنه أراد بالبلدة المكان. وقد سبق معنى صفة البلدة بالموت [الأعراف: 57] ومعنى {ونُسْقِيَهُ} [الحجر: 24]. وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، والضحاك، والأعمش، وابن أبي عبلة: {ونَسْقِيَهُ} بفتح النون. فأما الأناسيُّ، فقال الزجاج: هو جمع إِنسيّ، مثل كرسيّ وكراسي؛ ويجوز أن يكون جمع إِنسان، وتكون الباء بدلاً من النون، الأصل: أناسين مثل سَراحين. وقرأ أبو مجلز، والضحاك، وأبو العالية، وعاصم الجحدري {وأناسيَ} بتخفيف الياء.
قوله تعالى: {ولقد صَرَّفْناه} يعني المطر {بينهم} مرة لهذه البلدة، ومرة لهذه {لِيَذَّكَّروا} أي: ليتفكَّروا في نِعَم الله عليهم فيحمدوه. وقرأ حمزة، والكسائي: {لِيَذْكُروا} خفيفة الذال. قال أبو علي: يَذَّكَّر في معنى يتذكَّر، {فأبى أكثرُ الناس إِلا كُفُوراً} وهم الذين يقولون: مُطِرنا بنوء كذا وكذا، كفروا بنعمة الله. {ولو شئنا لَبَعَثْنَا في كل قرية نذيراً} المعنى: إِنّا بعثناك إِلى جميع القُرى لعِظَم كرامتك، {فلا تُطِعِ الكافرِين}، وذلك أن كفار مكة دَعَوه إِلى دين آبائهم، {وجاهِدهم به} أي بالقرآن {جهاداً كبيراً} أي: تامّاً شديداً.


قوله تعالى: {وهو الذي مَرَجَ البَحرين} قال الزجاج: أي: خلَّى بينهما؛ تقول: مرجتُ الدابَّة وأمرجتُها: إِذا خلَّيتَها ترعى، ومنه الحديث: «مَرِجَتْ عهودُهم وأماناتهم» أي: اختلطت. قال المفسرون: والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما، فما يلتقيان، ولا يخنلط المَلِح بالعذب، ولا العذب بالمَلِحِ، وهو قوله: {هذا} يعني: أحد البحرين {عَذْبٌ} أي: طيِّب؛ يقال: عَذُبَ الماءُ يَعْذُبُ عُذوبةً، فهو عَذْبٌ. قال الزجاج: والفُرات صفة للعَذْب، وهو أشد الماء عُذوبة، والأُجَاج صفة للملح، وهو: المُرُّ الشديد المرارة. وقال ابن قتيبة: هو أشد الماء ملوحة، وقيل: هو الذي يُخالطه مرارةٌ، ويقال: ماءٌ مِلح، ولا يقال: مالح، والبرزخ: الحاجز. وفي هذا الحاجز قولان:
أحدهما: أنه مانع من قدرة الله تعالى، قاله الأكثرون. قال الزجاج: فهما في مرأى العين مختلطان، وفي قدرة الله منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر. قال أبو سليمان الدمشقي: ورأيت عند عَبَّادان من سواد البصرة الماءَ العذب يَنحدر في دجلة نحو البحر، ويأتي المَدُّ من البحر، فيلتقيان، فلا يختلط أحد الماءين بالآخر، يُرى ماء البحر إِلى الخُضرة الشديدة، وماء دجلة إِلى الحُمرة الخفيفة، فيأتي المستقي فيغرف من ماء دجلة عذباً لا يخالطه شيء، وإِلى جانبه ماء البحر في مكان واحد.
والثاني: أن الحاجز: الأرض واليَبَس، وهو قول الحسن؛ والأول أصح.
قوله تعالى: {وحِجْراً محجوراً} قال الفراء: أي: حراماً محرَّماً أن يغلب أحدهما صاحبه.
قوله تعالى: {وهو الذي خَلَقَ من الماء بَشَراً} أي: من النُّطفة بَشَراً، أي: إِنساناً {فجعله نَسَباً وصِهْراً} أي: ذا نسب وصِهْرِ. قال علي عليه السلام: النَّسَب: ما لا يحل نكاحه، والصِّهر: ما يَحِلُّ نكاحه. وقال الضحاك: النسب سبع، وهو قوله: {حُرِّمت عليكم أمهاتُكم...} [النساء: 23] إِلى قوله: {وبناتُ الأُخت} [النساء: 23]، والصِّهر خمس، وهو قوله: {وأُمهاتُكم اللاَّتي أرضعنكم...} [النساء: 23] إِلى قوله: {مِنْ أصلابكم} [النساء: 23]. وقال طاووس: الرَّضاعة من الصِّهر. وقال ابن قتيبة: {نَسَباً} أي: قرابة النَّسَب، {وصِهراً} أي: قرابة النكاح. وكل شيء من قِبَل الزوج، مثل الأب والأخ، فهم الأحماء، واحدهم حَماً، مثل: قَفاً، وحَمُو مثل أَبُو، وحَمْمءٌ مهموز ساكن الميم، وحَمٌ مثل أَبٍ. وحَمَاة المرأة: أُمُّ زوجها، لا لغة فيها غير هذه وكلّ شيء من قِبَل المرأة، فهم الأَخْتان. والصِّهر يجمع ذلك كلّه. وحكى ابن فارس عن الخليل، أنه قال: لا يقال لأهل بيت الرجل إِلا أَختان، ولأهل بيت المرأة إِلا أصهار. ومن العرب يجعلهم أصهاراً كلّهم. والصَّهْر: إِذابة الشيء. وذكر الماوردي أن المَناكح سمِّيتْ صِهْراً، لاختلاط الناس بها كما يختلط الشيء إِذا صُهِر.
قوله تعالى: {وكان الكافر على ربِّه ظهيراً} فيه أربعة أقوال.
أحدها: مُعيناً للشيطان على ربِّه، لأن عبادته للأصنام معاونة للشيطان.
والثاني: مُعيناً للمشركين على أن لا يوحِّدوا الله تعالى.
والثالث: مُعِيناً على أولياء ربِّه.
والرابع: وكان الكافر على ربِّه هيِّناً ذليلاً، من قولك: ظَهَرتُ بفلان: إِذا جعلتَه وراء ظهرك ولم تلتفت إِليه. قالوا: والمراد بالكافر هاهنا أبو جهل.


قوله تعالى: {ما أسألُكم عليه} أي: على القرآن وتبليغ الوحي {من أَجْر} وهذا توكيد لصِدْقه، لأنه لو سأَلهم شيئاً من أموالهم لاتَّهموه، {إِلا من شاء} معناه: لكن من شاء {أن يَتَّخذ إِلى ربِّه سبيلاً} بانفاق ماله في مرضاته، فَعَل ذلك، فكأنه قال: لا أسألكم لنفسي. وقد سبق تفسير الكلمات التي تلي هذه [آل عمران: 159، البقرة: 30، الأعراف: 54] إِلى قوله: {فاسأل به خبيراً}، و{به} بمعنى: عنه، قال عَلْقَمة بن عَبَدة:
فانْ تَسْأَلُونِي بالنِّساء فانَّني *** بَصِيرٌ بأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
وفي هاء {به} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها ترجع إِلى الله عز وجل.
والثاني: إِلى اسمه الرحمن، لأنهم قالوا: لا نعرف الرَّحمن.
والثالث: إِلى ما ذكر مِنْ خَلْق السموات والأرض وغير ذلك.
وفي الخبير أربعة أقوال.
أحدها: أنه جبريل، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الله عز وجل، والمعنى: سلني فأنا الخبير، قاله مجاهد.
والثالث: أنه القرآن، قاله شمر.
والرابع: مُسْلِمة أهل الكتاب، قاله أبو سليمان، وهذا يخرَّج على قولهم: لا نعرف الرَّحمن، فقيل: سَلُوا مُسَلِمة أهل الكتاب، فان الله تعالى خاطب موسى في التوراة باسمه الرحمن، فعلى هذا، الخطابُ للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سواه.
قوله تعالى: {وإِذا قيل لهم} يعني كفار مكة {اسجُدوا للرَّحمن قالوا وما الرحمن} قال المفسرون: إِنهم قالوا: لا نعرف الرَّحمن إِلا رحمن اليمامة، فأنكروا أن يكون من أسماء الله تعالى، {أَنسْجُدُ لِمَا تأمُرُنا} وقرأ حمزة، والكسائي: {يأمُرُنا} بالياء، أي: لِمَا يأمرنا به محمد، وهذا استفهام إِنكار، ومعناه: لا نسجد للرَّحمن الذي تأمرنا بالسجود له، {وزادهم} ذِكر الرحمن {نُفوراً} أي: تباعداً من الإِيمان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7